الإثنين 15 مارس 2021 / 15:26

سجن أبو غريب مثال كارثي للاحتلال الأمريكي للعراق

تناولت صحيفة "ذي آراب نيوز" السعودية حرب "التحالف الدولي" على العراق، معتبرة أن انتهاكات سجن أبو غريب، مثال كارثي للاحتلال الأمريكي للبلد الذي يملك أحد أكبر احتياطات النفط في العالم.

كل هذا يضرّ بالقضية الأمريكية بدلاً من أن يساعدها، إذ منحت مثل هذه الانتهاكات المتمردين في العراق القدرة على الاستمرار لسنوات أكثر مما ينبغي، والتحق بعضهم في نهاية المطاف بـ "داعش"

وكتب البروفيسور ديفيد رومانو، أستاذ سياسة الشرق الأوسط في جامعة ولاية ميسوري، أن القرار المشؤوم الذي اتخذه الرئيس الراحل صدام حسين بغزو الكويت غير العراق إلى الأبد، وأطلق حرب "التحالف" الأولى ضد العراق في 16 يناير (كانون الثاني) 1991.

وأضاف أن العراق عانى بين 1991 و 2003 بشكل كبير من العقوبات الدولية. ورغم أن برنامج الأمم المتحدة "النفط مقابل الغذاء"، كان يهدف إلى منع جوع العراقيين تحت وطأة العقوبات، إلا أن نظام صدام منع الطعام والدواء عن السكان المنشقين الذين كانوا تحت سيطرته خاصة الشيعة. ونتيجة لذلك، يُقدر أن حوالي 500 ألف طفل عراقي ماتوا خلال هذه الفترة.

احتلال كارثي
وبعد سقوط الديكتاتورية التي أرهبت جميع العراقيين بعد حرب الخليج في 2003، بدا، للحظة وجيزة، أن حياة العراقيين ستتحسن. لكن سرعان ما تحولت الحملة العسكرية الناجحة للتحالف إلى احتلال كارثي. وكانت أبرز أخطاء الاحتلال الأمريكي، فضيحة سجن أبو غريب.

واختار الأمريكيون سجن أبو غريب لإيواء حوالي 4 آلاف سجين، معظمهم من العرب السنة المشتبهين بالمشاركة في تمرد ما بعد 2003 ضد نظام احتلال التحالف.

كان سجن أبو غريب سيء السمعة في عهد صدام، على غرار سجن إيفين الإيراني في طهران. قبل 2003 بوقت طويل، كان "الذهاب إلى أبو غريب" واحداً من أسوأ المصائر التي يمكن أن يواجها أي عراقي.

وبدل تهدئة العراقيين وطمأنتهم على أن عراق ما بعد صدام سيكون مختلفاً، استولى الأمريكيون ببساطة على "أبو غريب"، وانتهجوا نفس أساليب التعذيب التي كان يستخدمها صدام. وسكنت قوات التحالف في قصور صدام بما في ذلك "المنطقة الخضراء" في بغداد، وحولتها إلى مقر إداري جديد للاحتلال.

صدام الجديد
وبالنسبة للعديد من العراقيين، بدت الرسالة واضحة، الأمريكيون هم صدام الجديد، باستثناء واحد وهو أن السنة سيحلون محل الشيعة، والأكراد، مجموعات مضطهدة في العراق. واندلعت فضيحة أبو غريب في أبريل (نيسان) 2004.

بدأ الأمر بوفاة معتقل عراقي أثناء استجوابه في السجن. وبعد فترة وجيزة، اكتشف جندي أمريكي قرصاً مدمجاً في السجن يضم صوراً لإساءة معاملة السجناء. أبلغ رؤساءه، الذين بدأوا التحقيق.

إن إبقاء السجناء عراة في مثل هذه الظروف، إضافة إلى مختلف أشكال الإذلال، والوضعيات المرهقة، والحرمان من النوم، والماء البارد، وخراطيم الضغط العالي، والاعتداء الجسدي، والإيذاء النفسي، أمور ترقى بالتأكيد إلى مستوى التعذيب.

تغذية التمرّد
بحلول أوائل مايو(أيار) 2004، تبرأ جورج دبليو بوش، رئيس الولايات المتحدة يومها، من إساءة معاملة السجناء، مبدياً أسفه "للإذلال الذي تعرض له السجناء". لكن الضرر حدث بالفعل، حيث أدت أدلة التعذيب والإذلال، التي تعرض لها العراقيون، إلى تضخم أعداد الجماعات المسلحة، وغذت التمرد في البلاد.

وإذا كان تعذيب السجناء في أبو غريب يهدف إلى إنقاذ أرواح عناصر قوات "التحالف" بإجبار السجناء على إفشاء معلومات عن المتمردين العراقيين، إلا أنه كان لذلك تأثير عكسي، إذ لم تؤد إلى أي تغيير في القيادات العسكرية الأمريكية.

وعلى غرار الرئيس بوش أو نائبه ديك تشيني، لم يُدن دونالد رامسفيلد، الذي كان وزيراً للدفاع يومها بسبب هذا الملف. وأُلقي باللوم على الحراس في أبو غريب، الذين خُفّضت معاشاتهم ورتبهم العسكرية، وسُجن بعضهم لبضعة أشهر.

نفاق الأمريكيين
وبالنسبة إلى دولة تفخر بمعاييرها لحقوق الإنسان، وكثيراً ما تنتقد القادة الأجانب من منطلق أخلاقي رفيع، بدا الأمر كأنه نفاق، لأنه من غير المحتمل ألا يكون الضباط والمسؤولون الحكوميون على دراية بما يجري في سجن "أبو غريب".

على أقل تقدير، يبدو أن بوش ونائبه تشيني، ووزير الدفاع رامسفيلد، هيأوا المناخ الذي سمح بانتهاكات "أبو غريب"، وأصروا على تسمية المُقاتلين الأسرى "بالمقاتلين الأعداء" بدل "أسرى الحرب" ليتمكّنوا من إرسالهم إلى خليج غوانتانامو دون توجيه تهم رسمية لهم.

وفي مناسبات أخرى، أرسلوا الأسرى في رحلات جوية سرية إلى مراكز اعتقال سرية لوكالة الاستخبارات المركزية في أوروبا الشرقية لتعذيبهم هناك، بعيداً عن أنظار العالم.

لقد انخرطوا في أشكال مختلفة من المغالطات لتسمية جرائم مثل الإغراق بالمياه "بالاستجواب المعزز" بدل التعذيب.

إضرار بالقضية الأمريكية

في النهاية، كل هذا يضرّ بالقضية الأمريكية بدل أن يساعدها، إذ منحت مثل هذه الانتهاكات المتمردين في العراق القدرة على الاستمرار لسنوات أكثر مما ينبغي، والتحق بعضهم في نهاية المطاف بداعش.

وانحسر الخطر المرفوض الذي كان سيُشكله برنامج صدام للأسلحة النووية على العالم.

ومع ذلك، وكما هو الحال في كل اللحظات الفاصلة تقريباً في المسار التاريخي للبلد، وجدت التغييرات الإيجابية نفسها مُثقلة بالسوء.